(الخضر (عليه السلام

الخضر (عليه السلام)[1]

التاريخ: 2011

المكان: بنگلور – كارناتاكا

في زيارة الإرشاد الأولى إلى الهند دُعيتُ إلى احتفال بمولد الشيخ عبد القادر الگيلاني قدس الله سره في بيت خليفة متوفى رحمه الله. كان الذين دعوني من محبي الطريقة ولكنهم لم يكونوا قد أخذوا البيعة ولم يكن عندهم التزام، ولم يكونوا مهتمين بالآخرة فاقتصرت عباداتهم على إقامة صلاة الجمعة. عندما ذهبت إلى البيت أعجبني وفرحت به لأن فيه آثار الطريقة وإن لم أرى فيه آثار عبادات، حيث يسعدني تقصّي أي أثر من آثار المشايخ. بعد أن أكملت الإرشاد أخذ أناس كثيرون البيعة. كان هنالك رجال دين وشيوخ وأناس لابسي اللون الأخضر، مما يعني بأنهم قادريين.

بعد أن أكملت الإرشاد وإعطاء البيعة طلبوا مني أن أقرأ لهم القصيدة الخمرية للشيخ عبد القادر الگيلاني قدس الله سره العزيز. يبدو أنهم كانوا قد استأنسوا بصوتي وإلقائي، وكان بين الحضور ثلاثة أو أربعة رجال دين يتحدّثون اللغة العربية بطلاقة.

بينما كنت أقرأ القصيدة اقترب مني رجل حنطاوي اللون. بدا نصف وجهه الأسفل من نصف أنفه إلى حنكه يشبه أحد مريدي الطريقة. كانت له لحية خفيفة جداً وكأنها مخطوطة خطّاً بعناية. كانت شواربه محفوفة من جهة الشفة وكأنها قد حُدِّدَت باللون الأبيض. كانت أسنانه أكثر بياضاً من الثلج. بدا عمره أكثر من خمسين سنة. كان جميلا جداً. كان لابسا جُبة وعمامة يتشابك فيها اللونان الأخضر والأسود على شكل هرمي.

أقبل الرجل عليّ مادّاً يده قبل الوصول إلي وكأنه يومئ لي بأنه قادم للسلام علي. هنالك الكثير من الناس الذين يأتون لزيارتي في الهند، ولذلك فإنني لا أستطيع النهوض لكل من يأتي للسلام عليَّ، فعادة أسلّم عليهم جالساً. أما حين يحاول الناس أن يأتوا للسلام عليّ وأنا خلال الإرشاد فأشير لهم بالجلوس وعدم مقاطعتي أو أعيّن شخصاً يقوم بهذه المهمة نيابة عني. لكن عندما اقترب هذا الرجل مني للسلام شعرت وكأنه أجبرني على الوقوف له، فتوقفت عن قراءة القصيدة ووقفت على قدميّ. وما أن وضعت يدي بيده حتى أصبحت يدي بحجم شاهد المسبحة مقارنة بيده، فأصبحت يده ممتدة إلى عكسي، أي أصبح طول كفّه يصل إلى عَكِسي. فانتابني خوف غير طبيعي، وشعرت بجسدي وكأنه أصبح قطعة من الثلج. أحسست بعمودي الفقري وكأنه قد تيبّس من شدة المفاجأة أو الرهبة. كانت هذه أول مرة تصيبني هذه الحالة. كما بدأت أقدامي بالخدر. ثم ابتسم الرجل واحتضنني واضعاً يديه وراء ظهري وجذبني نحوه مرتين وكأنه يريد أن يطقّ ظهري. وشممت نَفَسَه وكانت رائحته عنبر. ثم سحب يديه وتركني وذهب.

بينما لازلت واقفاً استدرت نحو الخليفة الذي كان جالساً بجانبي وسألته عن الرجل. فرد الخليفة متعجّباً: «أي رجل»؟ فأجبته بأنني أسأل عن الرجل الذي سلّم علي لتوّه. حين نظرت إلى الناس أصبح واضحاً لديَّ أنهم لم يلحظوا زيارة الرجل وكأن الحادثة حصلت لي في المنام. فسألت مرة أخرى عن وقوفي فقالوا بأن كل ما رأوه هو أني توقفت فجأةً عن قراءة القصيدة ونهضت واقفاً. وخوفاً من أن يستهزوا بي إن استمرّيت في سؤالي أدّعيت بأن عينيَّ قد تزغللتا فجلست. إلّا أنني لم أستطع الكلام بعد ذلك فطلبت الإذن بالمغادرة متعلّلاً بأنني قد تعبت. كان الإرشاد قد اكتمل والناس قد أخذوا البيعة فلم يكن هناك ضرر من مغادرتي.

حين غادرت كنت فزعاً بسبب شعور المهابة الذي تركه ذلك الرجل عليَّ حين أقبلَ عليَّ. كنت حينها اعتقد بأنه كان سيدنا الگيلاني قدس الله سره العزيز. حين كنت في السيارة في طريقي إلى البيت حاولت الاتِّصال عدة مرات بخادم حضرة الشيخ ولكن من غير نجاح. بعد أن وصلت إلى مكان إقامتي حينئذ في منطقة سُدهاما نَگَر في بنگلور ودخلت إلى سكني اتَّصَل بي الخادم وسألني عن سبب مكالماتي المتعددة. فقلت له بأنني كنت فزعاً. فسمعت حضرة الشيخ قدس الله سره يسأل عن المتكلم فأجابه الخادم، فقال له حضرة الشيخ بأن يستمع لما لدي. فذكرت ما حدث لخادم حضرة الشيخ الذي كان ينقل كلامي مباشرة لحضرتهم. فقال حضرة الشيخ:

ما شاء الله، قل له أن لا يخاف، هذا سيدنا الخضر. مبارك، مبارك! لنكمل الكلام يوم غد.

في ليلة اليوم التالي اتَّصَل الخادم لينقل كلام حضرة الشيخ التالي:

كثير من الخلفاء والدراويش والأولياء أرادوا أن يروا سيدنا الخضر ولكن لم يروه. فهذه همة المشايخ التي مكّنت عماد من رؤية سيدنا الخضر عليه السلام. مبروك له، وليكن حذراً على نفسه.

لقد أوصاني حضرة الشيخ بأن لا أنشغل بمثل هذه التجارب الروحية لأنها ليست أسس الطريقة، فالتقوى والإلتزام بالأوراد واتّباع أوامر ونواهي الشريعة والطريقة هي أسس الطريقة.

[1]  الخضر هو ولي ذو منزلة عالية لازال حيّاً منذ قرون كثيرة. ويُعتَقَد بأنه الشخص الذي أرسل الله موسى للقاءه والتعلّم منه والذي وصفه عز وجل بأنه ﴿عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف/65).

جميع الحقوق محفوظة © 2016 كسنزان وي

Print Friendly, PDF & Email
Share
Share